الْحَثُّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِكِتَابِ اللهِ وَتَعَلُّمِهِ



تاريخ النشر السبت,24 شوال 1439

صفحات من الكتاب


«الْحَثُّ عَلَى الْعِنَايَةِ بِكِتَابِ اللهِ وَتَعَلُّمِهِ»

قَالَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْعَزِيز بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَاز -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:

الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن اهتدى بهُداه.

أما بعد:

فإني أشكرُ اللهَ سبحانه على هذا اللقاءِ بأبنائي الكرامِ على تَعَلُّمِ القرآنِ الكريمِ وحِفْظِهِ، والدعوةِ إليه والعملِ به، ولا رَيْبَ أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ مُنَزَّلٌ غيرُ مخلوق، مِنْهُ بدأ وإليه يعود، أوحاهُ إلى عبدِهِ ورسولِهِ وخاتمِ أنبيائِهِ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الله -عليه الصلاة والسلام-، وفيه الحُجَّةُ على جميعِ عبادِهِ.

قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾[1].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيرًا﴾[2].

وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ﴾[3].

وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾[4].

وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[5].

وقال -عزَّ وجَلَّ-: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[6].

فالواجبُ على جميعِ المُكلَّفِين العملُ بهذا الكتابِ، والسَّيْرُ على توجيِههِ، ومَا بيِّنَ اللهُ فيه سبحانه والحذرُ مِن مخالفةِ ذلك، كما يجبُ عليهم أيضًا العملُ بسُنَّةِ الرسولِ ﷺ كما قالَ تعالى : ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾[7] .

وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[8].

وأخبرَ سبحانه أنه أرسلَهُ إلى جميعِ الناسِ -جِنِّهم وإِنْسِهم، عَرَبِهم وعَجَمِهم-، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[9].

فالهدايةُ باتَّباعِهِ ﷺ واتَّبَاعِ مَا جاءَ في كتابِ اللهِ  -عزَّ وجَلَّ- فقد قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾[10].

وقالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[11].

وقال النبيُّ الكريمُ -عليه الصلاة والسلام-: «بُعِثتُ إلى الناسِ عامة»[12] . فالواجبُ على جميعِ المُكلَّفِينَ التَّمَسُّكُ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ -عليه الصلاة والسلام-.

وفي حديثٍ آخر: «وإني تاركٌ فيكم ثَقَلَيْن؛ أولهما: كتابُ اللهِ -عزَّ وجَلَّ- فيه الهُدى والنور؛ فخُذوا بكتابِ اللهِ تعالى واستمسكوا به»[13].

واللهُ خَلَقَ الخَلْقَ ليعبدوه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[14]، وأَمَرَهم بذلك، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾[15]، وأرسلَ رُسُلَهُ بذلك، قال -جَلَّ وعلا-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[16].

وهذه العبادةُ هي طاعةُ اللهِ، وهي توحيدُ اللهِ، وهي تقوى الله، وهي البِرُّ والهُدى، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾[17].

فلابد مِن تَعَلُّمِ هذه العبادةِ والتَّبَصُّرِ فيها، وهي دينُ الإسلام، فأنت مخلوقٌ للعبادةِ، فعليكَ أيها الرَّجُلُ وعليكِ أيتها المرأةُ عليكما جميعًا أنْ تتعلما هذه العبادةَ، وأنْ تعرفاهَا جَيدًا؛ حتى تُؤدياها على بصيرة، وهذه العبادةُ هي دينُ الإسلام، وهي الحقُّ والهُدى، وهي تقوى الله، وتوحيدُ اللهِ وطاعته، واتَّباعُ شريعته، هذه هي العبادة التي أنت مُخلوقٌ لها، سَمَّى اللهُ دينَهُ عبادة ؛ لأنَّ العبدَ في الدنيا يُؤديها بخضوعٍ وانكسار، فدينُ الإسلامِ كلُّهُ عبادة وتقوى لله؛ والصلاةُ عبادة، والزكاةُ عبادة، والصومُ عبادة، والحجُّ عبادة, الجهادُ عبادة، وهكذا جميعُ ما فَرَضَ اللهُ علينا عبادة تُؤَدَّى للهِ وطاعةً لله.

فهذا الدينُ العظيمُ دينُ الإسلام: هو العبادةُ التي أنت مخلوقٌ لها، وهي التقوى، وهي البِرُّ والهُدى، فالواجبُ على جميعِ الثَّقَليْن -جِنّهم وإِنْسهم ، ذكورهم وإناثهم- أنْ يتقوا الله، وأنْ يعبدوه؛ بطاعةِ أوامرِهِ واجتنابِ نواهيِهِ، والإخلاصِ له، وعدمِ عبادةِ سِواه؛ فيجبُ على كُلِّ مُكلَّفٍ أنْ يَصْرِفَ عبادتَهُ للهِ وحدَهُ، وهذا معنى «لا إله إلا الله»، فإنَّ معناها: لا معبودَ حَق إلَّا الله، كما قال تعالى في سورة الحج: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[18].

وقال -جلَّ وعلا-: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[19]. وقال سبحانه: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[20] .

فهذا معنى لا إله إلا الله، والإلهُ: هو الذي تألهُهُ القلوبُ، وتُعَظِّمهُ بأنواعِ العبادةِ، ولا يستحقُّ ذلك إلَّا الله وحدهُ، ولا تَصِحُّ العبادةُ لغيرِهِ، فيجبُ على أهلِ الأرضِ الجِنِّ والإِنْسِ وجميعِ المُكلَّفين -مِن ذكورٍ وإناث، ومِن عَرَبٍ وعَجَمٍ-، يجبُ على الجميعِ أنْ يعبدوا اللهَ وأنْ يتقوه، وأنْ يُطيعوا أَوامرَهُ، وأنْ ينتهوا عن نواهيه، وأنْ يقفوا عند حُدودِهِ عن إخلاصٍ وصِدْقٍ ورَغْبَةٍ ورَهْبَةٍ؛ لأنَّهم خُلِقُوا لهذه العبادة ؛ وخُلِقُوا ليَتَّقُوه ويُطيعوه، وخُلِقُوا لدينِ الإسلامِ الذي هو عبادةُ اللهِ، وأُمِرُوا بذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾[21]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[22]، وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾[23].

هذا الإسلام -الذي رَضيَهُ اللهُ لنا ولن يَقبلَ مِنَّا سواه- هو: عبادةُ اللهِ وتوحيدُ اللهِ وطاعتُهُ واتَّباعُ شريعتِهِ قَوْلًا وعَمَلًا وعقيدةً، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾، ولا سبيلَ إلى هذا العِلمِ ومعرفةِ هذه العبادةِ إلا بالله، ثم بالتَّعَلُّمِ والتَّفَقُّهِ والدراسة؛ حتى تَعلمَ دينَ اللهِ الذي خُلقتَ له، وهو دينُ الإسلامِ، وتوحيد اللهِ وطاعته، فيجبُ العلمُ والتَّفَقُّهُ والعنايةُ بالقرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ؛ حتى تَعلمَ هذه العبادةَ التي أنت مَخلوقٌ لها، وحتى تقومَ بذلك وتعملَ بذلك عن إخلاصٍ للهِ، ومحبةٍ للهِ، وعن تعظيمِ للهِ في جميعِ الأحوالِ.

يجبُ أنْ تستقيمَ على توحيدِهِ وطاعتِهِ واتَّباعِ شريعتِهِ، وتَرْكِ ما نَهَى عنه أبدًا أبدًا، وأينما كُنْتَ حتى تموتَ على ذلك ، قال تعالى لنبيِّهِ ﷺ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[24]؛ أي الموت، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[25].

هذه هي العبادةُ التي أنت مُخلوق لها؛ تقوى اللهِ، والاعتصامُ بحَبْلِهِ، والاستقامةُ على دينِهِ، ومِن وسائلِهَا: أنْ تُعْنَى بكتابِ اللهِ، وأنْ تَدْرُسَ كتابَ اللهِ، وأنْ تتفقهَ فيه وفي سُنَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ؛ لقولِ النبيِّ ﷺ: «مَن يُرِد اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهُهُ في الدين»[26] . متفقٌ على صِحتهِ.

وأنا أُهَنِّئ القائمينَ على هذه المدارس لعنايتِهم بكتابِ اللهِ، وأنا أشكرُهُم على ما يقومونَ به نحو تعظيمِ كتابِ اللهِ وتعليمِهِ للأجيالِ، فإنَّ هذا هو طريقُ السعادةِ لِمَن استقامَ على ذلك، وأَخْلَص في ذلك.

نسألُ اللهَ أنْ يُعينَهُم على ما فيه رِضَاه، وعلى ما فيه سعادتهم، وما فيه توفيقهم للفِقْهِ في الدين، وإنني أَهيبُ بجميعِ الدَّارسين والمُدَرِّسين، إلى أنْ يُعْنَوا بكتابِ اللهِ -أستاذًا وطالبًا وموظفًا-، وأنصحُ الجميعَ أنْ يُعْنَوا بكتابِ اللهِ؛ تلاوةً وتَدَبُّرًا وتَعَقُّلًا وعَمَلًا وحِفْظًا؛ ففي كتابِ اللهِ الهُدى والنور، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[27].

وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ﴾[28].

وقال سبحانه: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[29].

فهذا الكتابُ العظيم فيه الهُدى والنور، وكلُّ حَرْفٍ بحَسنة، وكلُّ مَن تَعَلَّمَ حَرْفًا فلهُ حَسَنَة، والحسنةُ بعَشْرِ أمثالِها، وأُوصِي الجميعَ بالعنايةِ بكتابِ اللهِ -عزَّ وجَلَّ- دراسةً وتلاوةً وتَدَبُّرًا، وحِرْصًا على معرفةِ المعنى، وعَمَلًا بذلك، مع الحِفْظِ لِمَا تَيَسَّرَ مِن كتابِ اللهِ، وهو أعظمُ كتابٍ وأصدقُ كتابٍ، فقد أنزلَهُ اللهُ رحمةً للناسِ، وشفاءً لِمَا في الصدور، وجَعَلَ الرسولَ أيضًا رحمةً للعالمين، وهدايةً للبَشَرِ، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[30].

وقال تعالى: ﴿ونَزَّلنَا عَليكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾[31].

وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾[32].

فيجبُ أنْ نتعلمَ هذا الكتاب ونَتفقهَ فيه؛ حتى نَعلمَ ما خُلِقْنَا له، فنَعْلَمُ العبادةَ التي خُلِقْنَا لها حتى نستقيمَ عليها، وهكذا السُّنَّة -سُنَّةُ الرسولِ ﷺ نتعلمُها ونَحفظُها ونَتفقهُ فيها، ونسألُ عَمَّا أُشْكِل علينا، والطالبُ يسألُ عمَّا أُشْكِل عليه مِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[33].

فتَعَلُّمُ كتابِ اللهِ مِن أعظمِ نِعَمِ اللهِ، فهنيئًا لكُلِّ طالبٍ يُعْنَى بكتابِ اللهِ تلاوةً وتَدَبُّرًا وتَعَقُّلًا وعَمَلًا، وهذه نِعمةٌ عظيمةٌ، وإني أُوصيكم بالاستقامةِ على هذا الخيرِ العظيمِ، وسؤالِ اللهِ التوفيق والإخلاص في ذلك للهِ -عزَّ وَجَلَّ-، والعناية بالتَّفَقُّهِ في كتابِ اللهِ، والتَّفَقُّه في سُنَّةِ رسولِهِ ﷺ مع العملِ بأداءِ فرائض الله، وتَرْكِ محارمِ اللهِ، والمسارعةِ إلى كُلِّ خيرٍ والحذرِ مِن كُلِّ شَرٍّ، مع الإكثارِ مِن تلاوةِ كتابِ اللهِ ومُدارستِهِ والتَّفَقُّهِ فيه، ومراجعة كُتُبِ التفسيرِ المُفيدة؛ كتفسيرِ ابن جرير، وابن كثير، والبَغويِّ، وغيرِهم لمعرفةِ الحقِّ، ولمعرفةِ ما أُشْكِل عليكم.

وينبغي للطالبِ أنْ يسألَ أستاذَهُ عمَّا أُشْكِلَ عليه عن قَصْدٍ صالحٍ ورغبةٍ؛ كي يتفقهَ في كتابِ اللهِ، وعلى الأستاذِ أنْ يُعْنَى بذلك للتلاميذِ مِن جِهَةِ توجيهِهم وتعليمِهم الخيرَ والعمل، وأنْ يكونوا شَبَابًا صالحين؛ يتعلمونَ ويُعَلِّمُونَ، ويُسارعونَ إلى كلِّ خيرٍ، فأَهَمُّ شيءٍ بعد الشهادتين هو: أداءُ الصلواتِ الخمس، والمحافظةُ عليها في مساجدِ اللهِ في الجماعة.

ويجبُ على أهلِ العِلْمِ أنْ يكونوا قدوةً، وأنْ يكونوا مُسارعينَ إلى أدائِها في الجماعةِ؛ حتى يَتَأَسَّى بهم غيرُهُم ويُحْتَذَى حَذْوهم في ذلك، فالعلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، وعلى رأسِهم الرُّسُل -عليهم أفضل الصلاة والتسليم-، والعلماءُ بعدَ الرُّسُل هم خلفاؤُهم؛ يَدْعُونَ إلى اللهِ بالقولِ والعملِ والسيرة، والطلبةُ كذلك -طلبةُ العلم- يجبُ عليهم أنْ يَعْلَمُوا ويَعمَلُوا، وأنْ يكونوا قدوةً لغيرِهم، وأنْ تظهرَ عليهم آثارُ العِلْمِ والتَّعَلُّمِ والتَّفَقُّهِ في دينِ اللهِ وفي كتابِ اللهِ.

نسألُ اللهَ بأسمائِهِ الحُسنى وصفاتِهِ العُلى أنْ يُوَفِّقَ الجميعَ لِمَا يُرضيه، وأنْ يمنحنَا جميعًا الفقهَ في الدين، وأنْ يرزقَنا العنايةَ بكتابِهِ وسُنَّةِ رسولِهِ -عليه الصلاة والسلام- والعملَ بهما، والدعوةَ إليهما، والتواصي بِهما قَوْلًا وعَمَلًا وعقيدةً وتَفَقُّهًا، وأنْ يُعيذَنَا مِن مُضِلَّاتِ الفِتنِ ومِن نَزَغَاتِ الشيطانِ.

كما نسألُهُ سبحانه أنْ ينصرَ دينَهُ ويُعْلِي كلمتَهُ، وأنْ يُصْلِحَ أحوالَ المسلمين في كلِّ مكان، وأنْ يمنحَهم الفقهَ في الدين، وأنْ يُوفِّقَ حُكَّامَ المسلمين وأمراءَهُم لِمَا فيه رِضَاهُ، ويُصْلِحَ أحوالَهم، ويمنحَهم الاستقامةَ على دينِهِ وتحكيمَ شريعتِهِ. كما نسألُهُ سبحانه أنْ يُوَفِّقَ ولاةَ أَمْرِنَا في المملكةِ العربيةِ السعودية لكلِّ خيرٍ، وأنْ يُعينَهم على كلِّ خير، وأنْ يُصْلِحَ لهم البِطَانة، وأنْ يجعلَهم مِن الهُدَاةِ المهتدين، وأنْ يُعيذَنا وإيَّاهُم وسائر المسلمين مِن مُضِلَّات الفِتنِ ونَزَغَاتِ الشيطانِ، وأنْ يجعلَنَا جميعًا مِن عبادِهِ الصالحين وحِزْبِهِ المُفلحين؛ إنه سميعٌ قريبٌ.

وصلى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا مُحَمَّد، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، وأتباعِهِ إلى يومِ الدين.




تعليقات فيس بوك